مصر كان نفسى أشوفها ، أتعرف عليها ، طول عمرهم يكلمونى عنها ويوصفولى فيها ، لدرجة إن فيه فى فترة من الفترات طلعوا إشاعة إنها أمى –أه وربنا- خلونى ماشى تاية فى الشوارع أدور عليها بس عمرى مالقتها ولا حتى لقيت واحدة شبهها ، كنت أمشى فى عز الحر فى أتوبيس بيبقى عامل زى الفرن ، زى الفرن فى سخونته وزى فرن العيش فى زحمته ، أمشى فى الشارع ألف بلاد وبلاد ، سافرت الفلاحين وشوفت ناس طلعان عينيها طول السنة يزرعوا ويحصدوا وفى الأخر ولا كأنهم عملوا حاجة ، لا منهم حوشوا فلوس ووفروا ولا منهم أكلوا وشبعوا هما وعيالهم ، وشوفتهم بيشربوا مياه مواسيرها فاتحه ع الصرف الصحى وراضيين وساكتين ، مشيت فى شوارع مش مرصوفة شوارع بتبقى فى الشتا طين وبتبقى حاجة مسخرة ، لاناس عارفة تمشى ولاعربيات ، وكل اللف ده علشان ألاقى أمى –اللى قالولى عليها- وعمرى مالقيتها ، سيبت الفلاحين بعد مازهقت من القرف ده وقولت أروح الصعيد ، بس لقيت ناس تانية وعالم تانين لقيت ناس طفحانه من هموم ومشاكل زى الباقيين ، وفوق همومهم هموم ومشاكل ليها تاريخ ولقيت ناس غير اللى طول عمرى أسمع عنهم ، لقيت رجالة ولقيت شهامة ، ولقيتهم زهقانين من الإشاعات اللى بتطلع عليهم ، وكمان ، دورت فى وشوش الناس ، تمام زى مادورت قبل كده بس مالقتهاش ، مالقتش أمى اللى قالولى عليها ، وسبت الصعايدة وقولت أشد الرحال ع إسكندرية أدور على أمى –اللى قالولى عليها- وقبل ما أدور قولت أتمشى ع البحر ، أصل إسكندرية طول عمرها فى خيالى البحر ، البحر برذاذ موجه ، البحر بكورنيشه اللى كان دايما عداله ومساواه ، الكل قاعد والكل ماشى ، بس وأنا بأدور ع أمى ع البحر ، لقيت الكورنيش جنبين ، جنب عليه الترمس والدرة –اللى طول عمرى شايف أسعاره سياحية- وجنب عليه قهاوى بس قهاوى قهاوى ، قهاوى فيها اللى بيخدم لابس بدلة ، شوفوا إنتوا بقى اللى بيتخدم المفروض يلبس إيه ؟ !! ، شوفت ع البحر إسكندرية غير إسكندرية اللى أعرفها ، شوفت الشاطئ قسموه ، شاطى ببلاش وببلاش يعنى تستحمى بس ببلاش ، لكن الكرسى والشمسية بفلوس ، وشوفت شاطئ تانى ، شاطئ تدخله بفلوس يامعلم ومش أى فلوس ، فلوس بجد ، فلوس مجمده أه ، فلوس فكه لأ ،بس فعلا شوفت كراسى محترمة وشوفت شماسى أكثر إحتراما وشوفت بحر أكثر نضافة وأكثر نصاعا ، مع إن الحاجز مش جوه المياه ، الحاجز ع الرمل بره ، وبصراحة التقسيمة دى كرهتنى فى عيشتى لسبب واحد بس وهو إنى بقيت تايه مش عارف أدور ع أمى فى أى ناحية ع الجنب ده ولا ع الجنب ده ، ع الشاطئ النضيف ولا ع الشاطئ الوسخ ، وبعد تفكير دورت فى الإتنين ، وبصيت فى الوشوش ، تمام زى مابصيت فى الفلاحين وفى الصعيد ، بس برده مالقتش أمى –اللى قالولى عليها- وسبت البحر وسبت معاه إسكندرية ، علشان أمى –اللى قالولى عليها- لو كانت فى إسكندرية كانت لازم هتكون ع البحر ، البحر اللى الناس المفروض هتطلع عليه تستمع من غير قناع علشان ع البحر المفروض الكل بيقلع هدومه ومافيش ماكياج ، فكرت وقولت أكيد أمى مش هلاقيها غير فى سيناء –أه سيناء- أكيد أمى راحت تفتكر ذكرياتها وأمجادها فى حرب أكتوبر وإتوكلت ع الله وروحت سيناء بس بعد مجهود وتصريحات كأنى بطلع تأشيرة علشان أدخل سيناء ، المهم روحت سيناء وياريتنى ماروحتها ، روحت فوجئت بكارثة وإستنتجت من الكارثة دى إنى ماكنش فى حرب أكتوبر ولا حاجة وإن سيناء لسه ماحررنهاش ، أصل شوفت إسرائيليين كتير هناك والمصريين اللى هناك بييخدموا عليهم وبس ، وإكتشفت إن الإسرائيليين بيدخلوها من غبر تأشيرة ، يعنى أنا سافرت سيناء بتأشيرة والإسرائيلى دخلها بالعربية عادى كده من غير لاتأشيرة ولا يحزنون ، ورجعت من سيناء مهموم ومكسور وحاسس إنى عشت عمرى مخدوع وفرحان بنصر مزيف إسمه نصر أكتوبر ، وقررت أسيب سيناء ومن أقصى الشرق شمالا قولت أروح مطروح اللى فى أقصى الغرب شمالا برده ، بس وأنا رايح كنت هأموت يامعلمين وكانت أخرتى هتبقى على لغم مزروع فى أرضنا بقاله سنين ومش عارفين نطلعه ، وبعد ماربنا نجانى وإكتشفت فى أخر لحظة إنى كنت هأدخل حقل ألغام ، قولت أغير إتجاهى وأدور على أمى فى حته تانية ، بس للأسف توهت فى صحرا كبيرة إسمها الصحراء الغربية وكانت كبيرة قوى ماتعرفلهاش أول من أخر وفاضية وكأنها ملهاش لازمة فى بلدنا ، وطبعا مادورتش على أمى –اللى قالولى عليها- علشان ألحق نفسى وماأغوطش فى الصحراء أكتر من كده وقولت أكيد لو أمى وصلت هنا يبقى أكيد تاهت أو ربنا أكرمها بلغم وصعدت روحها لرب كريم ، ورغم كده مايأستش وسيبت مطروح والصحراء الغربية وقولت أدور على أمى مصر –اللى قالولى عليها- فى مصر –القاهرة يعنى- ودى ماأقولكوش لقيتها حدوته كبيرة وناس كتيرة ، ناس فى الشوارع ماشية وتركز فى وشوشهم تحس إن الناس دى مش ماشية ، تحس إن الناس دى تايهه ، تحس إن الناس دى مش شايفه ، مع إن عيونهم مفتحه وسط نور شمس بتحرق ، ناس بشوفهم ساكتين ومكتومين مع إنى بركز فى عيونهم بشوف غضب ، بشوف قهر وبشوف ظلم ، غضب لما بيخرجوه بيخرجوه على بعض تلاقيهم يظلموا وينهبوا فى بعض ، كله بيتشطر على كله ، وماحدش بيتشطر غير على الأضعف منه ، سواق الميكروباص مابيتشطرش وصوته مابيعلاش غير فى وش ركابه ، والأفندى اللى واقف قدام فرن عيش مابيتشطرش غير على اللى واقف جنبه ، مع إنك لو ركزت هتلاقى السواق واحد والميكروباص 14 ، ولو ركزت هتلاقى صاحب الفرن واحد والواقفين قدام الفرن كتير، ركزت فى وشوش الناس دى كلها مالقتش أمى –اللى قالولى عليها- وقررت ما أدورش علشان زهقت وقرفت وكمان مابقتش عايز ألاقى أمى ، علشان لو لقيتها مش هيبقى فى مصلحتها ، أصلى هألومها على حاجات كتير وممكن اللوم ده يتطور لحاجات ماينفعش الواحد يعملها مع أمه.